
طبق "الشخشوخة" قصة صراع طبقي بين الأغنياء والفقراء بالجزائر
تعد "الشخشوخة" من بين أكثر وأشهر وأشهى الأكلات الشعبية في الجزائر، خاصة في المنطقة الشرقية منها، والتي لا يمكن الاستغناء عنها خاصة في الأعراس والمناسبات، وتجمع العائلة خاصة في شهر رمضان المبارك، ولا يختلف عليها اثنان من الجزائريين على أنها العشق الدائم ونقطة الضعف، وعندما توجد فلا مكان معه لـ"العداوة" أو "الريجيم"، ويعد الجزائريون تذوقها لذة لا تتكرر.
لا تتوافر معلومات دقيقة حول تاريخ طبق "الشخشوخة" التقليدي الجزائري، ولا توجد دراسات دقيقة بحثت في أصول هذا الطبق، لكن كل ما توفر منها يؤكد أنها أكلة لعرب وأمازيغ الجزائر.
وتذكر بعض المراجع التاريخية أن لطبق "الشخشوخة" قصة "صراع بين الغني والفقير"، وأوردت بأن ظهورها كان نتيجة "صراع طبقي بين الفقراء والأغنياء"، وأعده الفقراء ردا منهم على طبق كان مخصصا للأغنياء فقط كان يسمى "المْصَوَّر".
وتذكر بعض الدراسات أنه في القديم كان أثرياء الجزائريين يتفاخرون على الفقراء بشيِّ اللحم خارج البيت، وأمام أعين الجميع، ثم يدعونهم للوجبة الدسمة التي يرافقها عادة خبز مصنوع بطريقة جد خاصة، يتسم بكثافة دسمه ودقة سمكه بالإضافة طبعا إلى ما يرافق ذلك من توابل.
ويبدو أن هذا الطقس الموغل في التباهي أثار الطبقات الدنيا، فكان لا بد من رد مطبخي بليغ، هكذا ولد طبق "الشخشوخة"، الذي يعد رد فعل على الطبق الأول المسمّى "المْصَوَّر"؛ إذ تصنع الشخشوخة من خبز لا تهم دقته ولا مدة طهيه، بل يؤخذ كعجينة صغيرة، ثم يلقى على صفيحة مستديرة لينضج بعد أقل من خمس دقائق، ثم يقطع في لامبالاة ظاهرة، بينما تطهى كمية صغيرة من اللحم في حساء خضار محلي بدون تكلفة تقريبا، وبعدها يلقى الخبز في الحساء ويخلط المجموع.
ويرى بعض الباحثين أن "الشخشوخة" تعد إرثا جزائريا خالصا، تترجم وجها آخر لصراع الطبقات، ولو على حافة المطبخ، وتترجم حاجة الطبقات الدنيا إلى واجهة "مطبخية" ترفع الرأس في الصراع مع الطبقات الأعلى.
وإذا كان العربي القديم يكرم ضيفه بـأن يذبح له، فإن الجزائري الفقير يكرم ضيفه بأن "يشخشخ" أي يفتت له، هكذا طور الفقير أداة أخرى للصراع الطبقي، لم تكن على هذا القدر من الأهمية سابقا.
وعلى الرغم من اعتبار "الشخشوخة" ابتكار الفقراء، فإن الطبق يعد اليوم من الكماليات بالنسبة للفقراء في الجزائر، بالنظر إلى الغلاء الفاحش للمواد المستعملة في تحضيره والوقت الذي يأخذه الطبق لتحضيره.
وكما قلنا فإن شرق الجزائر يكثر فيها هذا الطبق، ولهذا تشتهر عدة مناطق بشرق الجزائر بـ"شخشوختها" الخاصة بها والتي تميزها عن بقية مناطق الجزائر، إذ نجد "الشخشوخة الشّاوية" وهم أمازيغ شرق الجزائر، وكذا "الشخشوخة المسيلية" نسبة لولاية المسيلة، وكذا "شخشوخة بسكرة" وهي ولاية في شمال صحراء الجزائر، وأيضا "الشخشوخة البوسعادية" نسبة لمنطقة بوسعادة.
ومن أشهر أنواع هذه الأكلة التقليدية التي تتمتع بشعبية واسعة في جميع محافظات الجزائر، توجد أيضا "شخشوخة الظفر"، وهي علامة مسجلة بمطبخ ولاية قسنطينة العريقة التي تسمى "عاصمة الشرق الجزائري".
أما عن تسمية "شخشوخة الظفر" بهذا الاسم فيعود إلى حجم وشكل رقائق العجين التي تصنع منها، وذلك نسبة لـ"الظفر"، حيث يتم تقطيع رقائق من العجين اليابس بالأظافر ويكون حجمها وشكلها تقريبا متساويا وصغيرا ومشابها لحجم ولون الأظافر.
وتصنع تلك الرقائق في ما يسمى بـ"طاجين الطين" أو "طاجين المعدن" وهو عبارة عن صفيحة معدنية مصنوعة من الحديد أو من الطين المقاوم للحرارة.
وعلى كل حال تتميز كل أنواع "الشخشوخة" الجزائرية بمذاقها الحار واللذيذ كونها تعد بالفلفل الحار ومختلف أنواع البهارات القوية.